أمراض نفسية.. عقد اجتماعية.. سلوكيات عدوانية.. تلك النتائج لن تتواجد من فراغ، انما ستكون نتيجة لوقوع شباب في دائرة البطالة التي باتت تهدد مستقبلهم وعائلاتهم، وكيان المجتمع الذي ينتمون إليه، وفق ما يؤكده مختصون.
إلى ذلك، فإن الشعور بعدم الانجاز وأن الشخص عالة على أسرته ومجتمعه، بلا هدف ولا منجز ولا طموح تصيبه بحالة من الاكتئاب التي قد توصله الى نتائج لا تحمد عقباها.الشاب احمد عبدالله الذي تخرج في جامعته بتقدير جيد قبل 6 أعوام، وكانت فرحته لا توصف لانهائه المرحلة الجامعية، وكله طموح كبير بالاتجاه إلى سوق العمل بحيوية وأمل؛ اصطدمت رغبته بالواقع الأليم، ولم تتحقق رغبته في تحقيق ما يصبو إليه، وهو ما يزال ينتظر الوظيفة.يقول "بعد مضي ست سنوات على تخرجي ما زلت أنتظر دوري في التعيين الحكومي، وتبدل حالي من شاب طموح منطلق إلى شاب لا أمل له في الحياة، ولا يملك أي رغبة في عمل أي شيء".وتبلغ نسبة البطالة في الأردن 13,1 للعام 2011، فيما انخفض المعدل إلى 11,04 للربع الأول من العام الحالي بحسب دراسات دائرة الاحصاءات العامة.وبعد أن جلس حسام عزالدين، مدة عام كامل بعد تخرجه في جامعته ساعياً وراء عمل يحقق له ما يريده، نصحه البعض أن يقوم باكمال دراسته كون شهادة الجامعة لم تعد تفيد هذه الأيام شيئا، ليتجه إلى دراسة الماجستير.ويقول "لقد مضى الآن على انهائي دراسة الماجستير، اكثر من عامين ولكن ما زلت أنتظر الوظيفة ولم أجد عملا، وحتى ولو بمستوى أقل من مستواي الدراسي، فلم يعد هناك باب ولم أطرقه"، مبينا أنه بات يمضي النهار نائما والليل جالساً مع أصدقائه، في لعب "الشدة" وغيرها.ويؤكد الاختصاصي الاجتماعي د. منير كرادشة، أن البطالة لها آثار كبيرة على النواحي الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، مبينا أن شعور الانسان في البحث عن عمل دون أن يجده يؤثر عليه ويصبح غير قادر على تلبية حاجاته الأساسية.ويشير إلى خطر البطالة على المجتمع، لما في ذلك من عواقب واعراض نفسية ومشكلات مثل الانحرافات والسرقات والجرائم وحدوث حالات من الانتحار، لافتا إلى أن انعكاساته على الفرد كبيرة وعلى معيشته فتؤثر على أوضاعه الصحية والاجتماعية.إلى ذلك، يمكن أن تؤدي البطالة إلى زيادة العنف الأسري وسوء العلاقات بين أفراد العائلة، حيث يصبح هناك شعور بعدم الرضا في العائلة ما يولد الصراعات والتوتر في جو الأسرة.ويرى كرادشة أن صورة الفرد أمام نفسه تتشوه، حيث تدخل الكثير من المشاعر السلبية، كمشاعر العجز المكتسب، مبينا أن الحالة النفسية قد تدفع الإنسان إلى سلوكيات خاطئة وتسلط عليه أفكارا كثيرة، مثل الانتحار وهو ما يسمى "الانتحار الأناني"، حيث يصبح الشخص لا يفكر بشيء، الا بصورة الذات المشوهة والمدمرة عنده ما يجعله يسعى لقتلها.غير أن سيف جمال (28 عاما) لم يقبل أن يضع نفسه في دائرة البطالة بانتظار وظيفة حكومية ربما لن يراها، لأن الشاب برأيه يجب أن لا ينتظر الوظيفة التي تناسب دراسته، وعليه البحث عن عمل يدر عليه الدخل، ولو فترة مؤقتة.وسيف الذي تخرج في الجامعة تخصص ادارة أعمال بتقدير جيد جدا، بحث عن وظائف كثيرة، وانتهى به المطاف للعمل في أحد محلات بيع الهواتف الخلوية، وهو الآن يتقاضى راتبا مقداره 300 دينار، يكفيه لمصاريفه الخاصة، ويساعد أهله بالجزء المتبقي منه."البطالة هي الحاضنة لوجود أي اضطرابات نفسية واجتماعية"، هذه الحقيقة يؤكدها اختصاصي الطب النفسي د. محمد حباشنة، الذي يرى أن الموضوع لا يحدث خطرا على الفرد فقط، إنما على المجتمع ككل كونه عنوانا ومحددا رئيسيا لصحة الفرد والمجتمع.ويعتبر الحباشنة أن جزءا من التعريف الذاتي للانسان، هو العمل الذي يدخل في تعريف شخص الإنسان بعيدا عن الأبعاد الأخرى، مبينا أن العمل ليس فقط مادة انما هو جزء من الاعتراف في الذات وقيمتها، خصوصا لدى الشباب كونها متطلبا رئيسيا للانسان وهو متطلب الازدهار.ويوضح أنه في حال لم يحقق الشخص طموحه في مرحلة من حياته، ستصبح صورته لنفسه متدنية، وهو مؤهل لمجموعة من الأمراض والضغوط النفسية كالقلق والاكتئاب، ويمكن أن يؤذي نفسه.ويشير الحباشنة إلى أن البطالة يمكن أن تتسبب في ارتفاع نسبة الجريمة، التي ترتبط بعدم الثقة بالذات، والشح والفقر وهو ما يجعل الأمر خطرا على المجتمع وعلى الفرد.ويرى الاختصاصي الأسري التربوي د.فتحي طعامنة، أن البطالة تقسم إلى البطالة المبطنة، والبطالة الحقيقية، معتبرا أن البطالة المبطنة، يكون فيها المجتمع بصورة عامة بحاجة إلى أيد عاملة، "إلا أن الكوادر الموجودة تكون لا تناسبها مثل تلك الأعمال، وهذه واحدة من الاشكاليات التي تواجهنا في مجتمعنا".أما البطالة الحقيقية فهي تأتي من الناس الذين تعلموا وتأهلوا وليس لهم عمل، لافتا الى أن حلها في الدرجة الأولى يكون لدى الجهات الرسمية، التي يجب أن تكون معنية بهذا الأمر، لما يرتبط بها من ارتدادات سلبية على المجتمع وعلى الأسرة والشخص نفسه.ويدعو طعامنة إلى تربية الأجيال على أن العمل في حد ذاته عبادة وواجب وطني، والأصل في الانسان أن لا يخلد للراحة إنما يعمل بما هو متاح له.ويؤكد أنه لا يوجد أي مبرر لأي انسان بأن يؤذي نفسه، لأنه يعاني من البطالة، مبينا أن الشباب أمل المستقبل والركيزة الأساسية للوطن، ولا بد للجهات الرسمية تأمين العمل الشريف لهم والذي يحقق له الكرامة.
الكاتب: مجد جابر
المصدر: الوطن نيوز
الناشر: World News